السبت، 29 أكتوبر 2011

جمال الفن ونظرية ( البُـوْب آرت)

جباليا - وكالة قدس نت للأنباء

لم يكن مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين مفجر انتفاضة الحجارة في العام 1987مدرسة لتخريج الثائرين الذين قادوا العمل الوطني منذ بداياته فكان منهم الشهيد والجريح والأسير, بل زاد على ذلك بتخريج نوابغ الإبداع التي لم يستطع الإعياء من شل قدرتها على مواكبة سير الحياة بلمسات وطنية شعبية، ترتقي لأعمال هادفة ومساندة للقضية الوطنية .

الفنان الفلسطيني سمير ظاهر الذي ولد وترعرع في هذا المخيم الواقع الى (الشمال) من قطاع غزة، يواكب صنوف الحياة من كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأهمها الفنية، والتي ضج منزله الصغير بلوحاتها ذات المعاني الكبيرة.

ويجسد الفنان ظاهر الذي أصيب بشلل الأطفال عن طريق خطأ طبي، العمل الوطني بريشته الفنية الصغيرة ذات الأعمال الكبيرة فيقول إن:" العيش في أزقة مخيم جباليا والتأقلم مع الحياة الانتفاضية ساعدني على التطرق للفن المقاوم، إضافة إلى أنني مولع بالفن منذ نعومة أظافري في المرحلة الابتدائية والإعدادية."

ويسرد ظاهر في العقد الرابع من العمر لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء يوسف حماد، بدايات تعلقه بموهبته الفنية, مضيفا :" ساعدني وجود بعض الفنانين والأصدقاء المقربين في الحي والمنطقة وكنت أشاهدهم وهم يمجدون بريشتهم إبداع فني لا يوصف من جماله."

في المراحل الأولى من المدرسة شكل مدرس مادة (الرسم) للفنان سمير ظاهر الدعامة الرئيسية وظهرت بدايات لمساته في رسوم الأطفال فكانت أول لوحاته الفنية التي لفتت انتباه الجميع في الصف الرابع الابتدائي.

ويضيف أن:" العمل المقاوم في المخيم أدى إلى تطور الرسوم لتشمل رسم مقاومين وأسلحة بيضاء والدوريات العسكرية الإسرائيلية والفدائيين والمطاردين والشهداء والجرحى".

وتلقى ظاهر دعم كبير من عائلته لمواكبة العمل الفني, فكانا والديه يحفزانه ويدفعانه على مواصلة الرسم والإبداع, فيما أطلق عليه أهالي الحي "رسام الأحداث", ضمن سلسلة أسماء كان يحضا بها من قبل السكان بفعل صنيعه الفني لدعم الأعمال الوطنية.


ولم يؤثر مرض شلل الأطفال الذي أصيب به الفنان سمير ظاهر في أحد مراكز وكالة الغوث في العام1959،على حياته الفنية، بل واصل العمل بكل قوة، ويقول :"إن العمل والجهد والطموح والعزيمة لا يوقفهما أحد، خاصة إذا كانت صادقة عند الإنسان وإذا كان مبدعاً في عمل ما" .

وعمل الفنان الفلسطيني عام 1982م في معرض بمدينة نتانيا شمال إسرائيل وهو "مرسم ليون" لفنان يهودي من أصل مغربي، ومن ثم إلتحق برابطة الفانيين الفلسطينيين في القدس، وكان عضوا في جمعية المعاقين حركياً.

ومع قدوم السلطة الفلسطينية الى الأراضي المحتلة في أوائل التسعينات عمل الفنان ظاهر في وزارة الصحة بدائرة التثقيف الصحي.

وشارك ظاهر بالعديد من الرسومات المعبرة في معارض محلية ودولية وإقليمية في السويد وباكستان والأمارات.

وكان من أهم هذه  اللوحات رسومات جسدت ، سفينة "مرمرة" التركية التي تعرضت لعملية قرصنة إسرائيلية في عرض البحر في مايو / أيار لعام 2010 ، وإعلان اتفاق المصالحة الفلسطينية، والحصار الإسرائيلي والحرب الأخيرة على غزة.

ويقول ظاهر إنه " كان يمكث في رسم اللوحة الواحدة قرابة الـ20ـ  30 يوما , فهو يعيش معها الشعور والمواقف واللحظات العاطفية والحسية والشعورية والداخلية له، وكأنه يخرج حزنه وفرحه إلى اللوحة ليرتاح نفسيا بعد ذلك."

وينتقد ظاهر ما تشهده الحالية الفنية الفلسطينية من تراجع فهو يرى بأن الفن أصبح سلعة لدى البعض وتحول الى فن متخلف وهابط يمزق الثقافة والحضارة ويبتعد عن الطريق الوطني الصحيح  الى طريق "المال ومتع الحياة".

ويشير الى أن هجرة المعارض الفنية من قبل المرتادين نابعة من منطلق أن الجماهير تحب مشاهدة أعمال المقاومة والرسومات الوطنية والتشكيلات الشعبية المرتبطة بالناس بالعادات والفرح والحزن الفلسطيني .

ويقول ظاهر إن الفن أصبح يميل لفن ( البُوْب آرت ) الأمريكي "الذي يحطم القيم الأخلاقية ويدمر المعاني الإنسانية ، مضيفا :"للأسف كان هناك من ينخدع ببعض الكلمات التي يُمتدح بها، ولكن أخر المطاف يصبح فنان عشوائي يبيع إبداعه لأجل حفنة من الدولارات".



ويتابع أن "هذا الفن يعتمد على تدمير الفن من كل النواحي وتشويه الإنسان والواقع" والبُوْب آرت حركة رسم شعبية أمريكية، اشتهرت في الستينيات من القرن العشرين. ويستخدم الكثير من فنانيها رسومات تجارية غير فنية ومألوفة إلى حد كبير ومستمدة من الحياة اليومية أساسا، لموضوعات رسوماتهم. ومعظم الرسومات التي ينتجها هؤلاء الرسامون ذات محتوى تهكمي أو هزلي.

ويلفت ظاهر إلى بعض فناني غزة ينبهرون بالمقابل المادي الذي يدفع لهم للانجرار وراء الفن المبتذل والذي يجرد الإنسان من هويته ووطنية وشعبيه. وقال "إنهم يذهبوا لبعض دول أوروبا ويعودوا بأفكار مشوهة وغير دقيقة البتة" .حسب قوله

ويعتبر ظاهر بأن الفن "ببساطة لفته بصرية حسية معنوية عقلية لتحريك الجماهير والمجتمعات"، ولذلك عندما نعود بذكرياتنا إلى رسام الكاريكاتير الفلسطيني،ناجي العلي والأديب الفلسطيني الفنان غسان كنفاني نرى أنهم أصبحوا "أثرا بعد عين" بعد أن أصابوا كبد الحقيقة, وهو ما أدى إلى اغتيالهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وختم ظاهر الحديث برسالة الى الفنانين الفلسطينيين قائلا:" على كل من يريد الفن الصحيح وجادة الصواب، ومن يريد أن يعرف الفن الجميل قراءة كتاب (لعبة الفن الحديث ) للكاتبة المصرية زينب عبد العزيز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق